الأربعاء، 6 يونيو 2012

عين واحدة (4)


اضغط على الصورة للتكبير


بحمد الله تمكنت من رصد عبور كوكب الزهرة أمام قرص الشمس مع شروق شمس اليوم.. سأظل أحكي لابني كثيرا عن هذا العبور ربما وهو يشتم رائحة الغاز المسيل للدموع في كمامة جمعة الغضب.

أهدي هذه الصورة الفريدة والتي لن تتكرر إلا بعد قرن من الزمان لشهداء ثورتنا وأحفادي.. علنا نصنع لهم ما لا يحتاجون للثورة من أجله بعدنا.

اترككم مع مقتطفات عن كوكب الزهرة من التراث نقلا عن العزيز أسامة فتحي:

***

عبور الزهرة عند علماء المسلمين

بمناسبة قرب موعد عبور الزهرة - هذا الحدث النادر - فإننا نود أن ننشر سلسلة من النواحي التاريخية الخاصة بعبور الزهرة وسنبدأ اليوم بالعالم نصير الدين الطوسي مؤسس مرصد مراغة الفلكي والذي أبدع كثيراً في علم الفلك والهيئة يقول :
" والسبعة الباقية على ترتيب كسف بعضها بعضاً ، أقصاها لزحل وما يليه للمشترى ثم للمريخ ، والأدنى للقمر ، والذي فوقه لعطارد ثم الزهرة ، وجعلوا الشمس في الفلك الأوسط بين هذه وتلك ، وإن لم تكن تنكسف إلا بالقمر لستحساناً لما في ذلك من حسن الترتيب وجودة النظام ؛ إذ السنتة مربوطة عليها العلوية بوجه والسفليان بوجه أخر والقمر بوجه أخر غيرهما ، وكان أيضاً بعدها المعلوم من الأرض مناسباً لهذا الوضع ؛ وقد قيل إن الزهرة رؤيت في بعدها الأبعد والأقرب كاسفة إياها كحالة في صفحتها "

كتاب التذكرة في علم الهيئة ، نصير الدين الطوسي (ت 672 هـ ، 1274 م وقت غروب الشمس )

"في سنة 225 هجريا فى خلافة المعتصم ظهرت فى الشمس نكتة سوداء قريب من وسطها وذلك فى يوم الثلاثاء التاسع عشر من رجب سنة خمسة وعشرين ومائتين فلما كان بعد يومين من هذا التاريخ وذلك بعد إحدي وعشرين يوماً من رجب حدثت الحوادث .
وذكر الكندى أنها لبثت هذه النكتة فى الشمس إحدى وتسعين يوماً ومات المعتصم بعدها , وكان أيضاً طلع كوكبان من كواكب الأذناب قبل موت المعتصم كما طلع منها جماعة قبل موت الرشيد ,
وذكر الكندى ان هذه النكتة كانت كسوف الزهرة للشمس ولصوقها بها هذه المدة المذكورة "

إخبار العلماء بأخبار الحكماء القفطي المتوفى سنة 646 هـ

عند العودة للتاريخ الميلادي المقابل للتاريخ الهجري المذكور وهو سنة 840 م نجد أنه لا يوجد عبور للزهرة في هذه السنة - أقرب عبورين هما في عام 797 م و 910 م - ولكن يبدو أن الذي رأه الكندي هي البقع الشمسية والتي كانت غير معروفة وقتها لدى العرب المسلمين تبعا للمعلومات الحالية المتوفرة ، ولكن الشاهد في هذا الاستشهاد هو معرفة العرب لعبور الزهرة والذي كانوا يسمونه " كسوف الزهرة للشمس " وعلى ما يبدوا أنه لم تتوافر لديهم معلومات دقيقة عن هذا العبور ولا عن مدته.


كوكب الزهرة (الأصل والتسمية)

جرت عادة الفلكيين عند الحديث عن الكواكب هو الرجوع إلى أسمائها اليونانية واللاتنينة وهي فترة متأخرة تاريخياً تبعاً لتاريخ الحضارات العام الذي يمتد كثيراً قبل تلك الحضارتين.
وكان ذلك نتيجة أن أوروبا في نهضتها أعتنت كثيراً بإحياء التراث اليوناني واللاتيني ولازلنا نلاحظ ذلك في كثير من الكتب العلمية التي تؤلف حتى الأن والتي تبدأ بالحديث عن أحد علماء اليونان الذي اخترع كذا في المجال الذي يتناوله الكتاب .
بينما عند التدقيق في أصول تسمية الكواكب باللغة العربية فإن البحث يصبح شاقاً لعدة أسباب منها هو معرفة كيف تم دخول الأسماء في الأساس إلى اللغة العربية وما هي المراحل التي تمت وما مدى معرفة العرب بتلك الكواكب؟؟!!!.

وللحديث عن هذه النقطة يجب أولاً أن نتحدث عن موقع الجزيرة العربية والتي يحدها شمالاً امبراطورية هي أغنى الأمبراطوريات دراسةً للفلك والتي تتفوق في دراسته على الحضارة المصرية ذاتها وهي الامبراطورية السومرية والبابلية والأشورية والتي سكنت بلاد الرافدين قديماً.
ولقد اشتهرت تلك الحضارة بالأرصاد الفلكية وذلك لأنهم كانوا يتبعون العقائد القائمة على عبادة الكواكب السيارة (عطارد، الزهرة، المريخ، المشترى، زحل) ومعهم الشمس والقمر ولنلاحظ أن أسماء أيام الأسبوع في اللغات الأوروبية اليوم يجد أن أسماء أيام الاسبوع مشتقة من أسماء الكواكب وهو تأثير مباشر من علم التنجيم القديم و ظلت العقائد النجمية قائمة لدى الصابئين وهم سكنى حران وغيرها من تخوم حضارات وادي الرافدين .وبالمناسبة كان الصابئة يصومون الشهر التاسع من السنة القمرية أيضاً قبل الإسلام.
أما للجذور اللغوية فنجد أن كلمة "فلك " مشتقة من اللفظ البابلي "Pulluk " وكذلك نجد أن إله الشمس عندهم هو " Shamash" لا حظ علاقتها بكلمة " الشمس " وبالطبع عندما تتحول كلمة من لغة إلى أخرى يدخل عليها بعض التغييرات نتيجة طريقة نطق اللغة الجديدة.
أما بالنسبة لكلمة الزهرة محل البحث فبالنظر إلى الجذر اللغوي الخاص بها نجد التالي أولا في الأسطورة البابلية نجد أن عشتار وهي الربة البابلية الشهيرة – ربة الخصوبة والجنس- وهي بطل الملحمة الشهيرة (جلجامش) وهي في نفس الوقت ترمز لكوكب الزهرة ولكن ما العلاقة بين كلمة " عشتار " و" الزهرة ".

عند دراسة اللغات القديمة نجد أن هناك مشكلة وهي تعدد الأصوات للحرف الواحد لاحظ ذلك في حرف " السين " والذي كان ينطق في العربية سين وشين في نفس الوقت وذلك لعدم وجود نقط قبل أن يأمر الحجاج بوضع النقط فوق الحروف وكذلك باقي الحروف المنقوطة (المعجمة) كانت تلتبس في العربية القديمة بالحروف الغير منقوطة (المهملة)، وعليه نجد أن ظاهرة تعدد الأصوات للحرف الواحد واضحة في أغلب اللغات القديمة ، ولأن من فكوا رموز اللغة المسمارية البابلية هم أوروبيون فنجد أنهم قد اختاروا الدلالة الصوتية للحرف الأقرب إلى لغتهم الحديثة – لاحظ مثلا كيفية نطق الحرف الصوتي المقابل لل "ع" في اللغة المصرية القديمة والذي لا يستطيع الأوروبيون نطقه كما في كلمة " رع " يكتبونها "RA " ربما نجد من يترجمها بعد ذلك " را " وليس "رع ".

كذلك كلمة عشتار فإن النطق الصوتي لها بالعربية هو " إيزتهار " فعندما تدخ هذه الكلمة إلى اللغة العربية يتم إضافة " ال " للكلمة وتحريفها إلى أقرب المشتقات اللغوية مثلا وإضافة تاء التأنيث فتتحول إلى الزهرة .
والذي يرجع إلى تفسير ابن كثير يجد في الحديث عن هاروت وماروت أنهم كانا ملكين ونزلا إلى الأرض ثم غلبت عليم الشهوة البشرية وواقعا إمرأة جميلة فمسخها الله كوكباً وهي الزهرة وحكم الله عليهما بالسجن ، والمعروف أن هاروت وماروت تبعاً للنص القرأني هما في بابل " ببابل هاروت وماروت " (سورة البقرة) وبعيداً عن الرواية فإن ما يعنينا منها أن هناك عند العرب بدايات لإشارة سابقة لعلاقة الزهرة ببابل في النصوص المتقدمة وهو ما يفيد في معرفة كيفية دخول الأسم إلى العرب.

أسامة فتحي
***

شكر خاص لأساتذتي في قسم الفلك كلية العلوم جامعة الأزهر
د. إينال أدهم د. خالد إدريس د. محمد بحيري د. عبد العزيز بكري
د. فؤاد الذي طالما سمعت عنه ورأيته مرة ولم يدرس لي
أ. مختار صاحب مصنع التليسكوبات الوحيد بمصر
رضوى داوود لدعمها الدائم واستخدام معداتها لتصوير الحدث

إهداء خاص لصديقي أسامة فتحي وحلمنا المشترك (مؤسسة بيت الحكمة لنشر علوم الفلك).